الصفحة الرئيسية
>
آيـــة
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ. مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}
الاستعاذة في هذه السورة برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس . والمستعاذ منه هو : شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس.
والاستعاذة بالرب ، الملك ، الإله ، تستحضر من صفات الله - سبحانه - ما به يدفع الشر عامة ، وشر الوسواس الخناس خاصة .
فالرب هو المربي والموجه والراعي والحامي . والملك هو المالك الحاكم المتصرف . والإله هو المستعلي المستولي المتسلط .. وهذه الصفات فيها حماية من الشر الذي يتدسس إلى الصدور .. وهي لا تعرف كيف تدفعه لأنه مستور .
والله رب كل شيء ، وملك كل شيء ، وإله كل شيء . ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء .
والله - برحمة منه - يوجه رسوله وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه ، مع استحضار معاني صفاته هذه ، من شر خفي الدبيب ، لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله . فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون ، ويأتيهم من حيث لا يحتسبون . والوسوسة : الصوت الخفي . والخنوس : الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس .
وقد أطلق النص الصفة أولا : ( الوسواس الخناس ) .. وحدد عمله : ( الذي يوسوس في صدور الناس ). ثم حدد ماهيته : ( من الجنة والناس ).. وهذا الترتيب يثير في الحس اليقظة والتلفت والانتباه لتبين حقيقة الوسواس الخناس ، تأهبا لدفعه أو مراقبته.
والنفس حين تعرف .. أن الوسواس الخناس يوسوس في صدور الناس خفية وسرا ، وأنه هو الجِنَّة الخافية ، وهو كذلك الناس الذين يتدسسون إلى الصدور تدسس الجِنة ، ويوسوسون وسوسة الشياطين .. النفس حين تعرف هذا تتأهب للدفاع ، وقد عرفت المكمن والمدخل والطريق !
وهناك لفتة ذات مغزى في وصف الوسواس بأنه ( الخناس ) .. فهذه الصفة تدل من جهة على تخفيه واختبائه حتى يجد الفرصة سانحة فيدب ويوسوس . ولكنها من جهة أخرى توحي بضعفه أمام من يستيقظ لمكره ، ويحمي مداخل صدره . فهو .. إذا ووجه خنس ، وعاد من حيث أتى ، وقبع واختفى .. وهذه اللفتة تقوي القلب على مواجهة الوسواس . فهو خناس . ضعيف أمام عدة المؤمن في المعركة .. ولكنها - من ناحية أخرى - معركة طويلة لا تنتهي أبدا . فهو أبدا قابع خانس ، مترقب للغفلة . واليقظة مرة لا تغني عن اليقظات .. والحرب سجال إلى يوم القيامة .
المزيد |